قصة سيدنا صالح عليه السلام مع قوم ثمود - سلسلة قصص الانبياء -
أرسل الله تعالى نبيَّه صالحًا
إلى ثمود وهم قبيلة مشهورة سميت باسم جدهم ثمود أخي جديس، وهما ابنا عاثر بن إرم
بن سام بن نوح وهم من العرب الذين كانوا يسكنون الحِجر الذي هو بين الحجاز
والأردن، وقد مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من
المسلمين، وما زالت ءاثارهم باقية هناك تعرف باسم “مدائن صالح”.
أسكن الله تعالى قبيلة ثمود
أرضًا بين الحجاز وتبوك وأسبغ عليهم من نعمه الكثيرة كما أسبغ على قبيلة عاد من
قبلهم، ولكنهم لم يكونوا أحسن حالاً من أسلافهم ولم يتعظوا بما حلّ بعاد ، ولم
يشكروا الله تعالى بعبادته واتباع نبيه وتصديقه، بل أشركوا به وعبدوا الأصنام من
دون الله وانفتنوا بالنعيم وسعة العيش الذي كانوا فيه.
بعث الله تبارك وتعالى نبيه
صالحًا وكان من أشرفهم نسبًا وأصفاهم عقلاً وأوسعهم حلمًا، فدعاهم إلى عبادة الله
وحده وحضّهم على توحيده وعبادته، وبيّن لهم أن الأوثان والأصنام لا تملك لهم ضرًا
ولا نفعًا ولا تُغني عنهم من الله تعالى شيئًا {وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن
بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً
وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي
الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} سورة الأعراف.
أي أن الله تبارك وتعالى جعلكم
من بعد عاد لتعتبروا بما كان من أمرهم وكيف أهلكهم الله بكفرهم فتعملوا بخلاف
عملهم وتشكروا الله بعبادته وحده وترك عبادة الأصنام وتصدقوا نبيه، وقد أباح الله
لكم هذه الأرض تبنون في سهولها القصور وتنحتون في الجبال بيوتًا حاذقين في صنعتها
وإتقانها وإحكامها . فقابلوا نعمة الله بالشكر وعبادته وحده لا شريك له وإياكم
ومخالفته وترك الإيمان به وتكذيب نبيه فتكون عاقبة ذلك وخيمة عليكم.
فبيّن سيدنا صالح لقومه أن الله
سبحانه وتعالى هو الذي خلقهم وجعلهم عمّار هذه الأرض بعد قوم عاد وجعل لهم في
الأرض الزروع والثمار فهو الخالق والإله والرازق الذي يستحق العبادة وحده، وأمرهم
أن يقلعوا عن كفرهم وعبادة الأصنام ويعبدوا الله وحده{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا
قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ
الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ
إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}سورة هود.
بعد دعوة صالح عليه السلام لقومه
كان جوابهم {قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا
أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ
مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ}سورة هود،
وعندما سمع سيدنا صالح عليه
السلام ما أجابه به قومه من تكبر عن اتباع الحق ومن إصرار على كفرهم قال لهم {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ
إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن
يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} سورة هود.
وهذا تلطف منه عليه السلام لقومه
في العبارة ولين جانب وأسلوب حسن في الدعوة لهم إلى الخير والإيمان، والمعنى أي
فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم وأدعوكم إليه؟ وما هو عذركم عند الله؟ وقد أبلغتكم
ما أمرني به ربي
وأخبرهم عليه السلام أنه سيبقى
على دعوته لهم إلى الإيمان والإسلام وعبادة الله وحده وترك عبادة الاصنام حتى يحكم
الله تعالى بينه وبينهم، لكنهم قابلوه بالإيذاء.
ومما ءاذت به ثمود صالحًا عليه
السلام حين دعاهم للإيمان به وبما جاء به أنهم اتهموه بأنه مسحور
{قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}سورة الشعراء،
استمر سيدنا صالح عليه الصلاة
والسلام يدعو قومه إلى الإيمان، واستمر قومه على عنادهم وتكبرهم
ولما وجدوا منه استمساكًا برأيه
وإصرارًا على دعوته إياهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام خاف المستكبرون
من قومه أن يكثر أتباعه وأن ينصرفوا عنهم إليه، وفي ذلك ذهاب لسلطانهم وتفتيت
لقوتهم، فأرادوا أن يظهروا للناس أنه عاجز غير صادق في دعواه وهذا من خبث نفوسهم
وظلام قلوبهم عن اتباع الحق، فطلبوا منه معجزة تكون دليلاً على صدقه وقالوا له:
وقالوا له: إن أخرجت لنا من هذه الصخرة ناقة ومعها ابنها ءامنا بك وصدقناك،
فأخذ سيدنا صالح عليه السلام عليهم عهودهم
ومواثيقهم على ذلك، وقام وصلى لله تبارك وتعالى ثم دعا ربه عز وجل أن يعينه ويجيبه
إلى ما طلب قومه فاستجاب الله دعوته فأخرج لهم سيدنا صالح عليه السلام بقدرة الله
ناقة ومعها ولدها من الصخرة الصمّاء. فقد أمر الله هذه الصخرة أن تنفطر عن ناقة
عظيمة طويلة فيها الصفات التي طلبوها ومعها ابنها، فلما رأى قومه هذا الأمر الخارق
للعادة الذي فيه الدليل القاطع والبرهان الساطع على صدق سيدنا صالح عليه السلام
ءامن قسم منهم واستمر أكثرهم على كفرهم وعنادهم وضلالهم،
وعندما أخرج لهم سيدنا صالح عليه
السلام هذه الناقة أمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله قال تعالى: {قالَ هذهِ ناقةٌ لها شِرْبٌ ولكم
شِربُ يومٍ معلومٍ}سورة الشعراء، وحذرهم أن يتعرضوا لها بالقتل أو الأذى، وأخبرهم أنهم
إن هم تعرضوا لها بالسوء يأخذهم عذاب وهلاك عظيم { قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ
الْمُسَحَّرِينَ * ما أنتَ إلا بشرٌ مِثلُنا فأتِ بآيةٍ إن كنتَ مِنَ الصادقينَ*
قالَ هذهِ ناقةٌ لها شربٌ ولكم شربُ يومٍ معلومٍ* ولا تَمَسُّوها بسوءٍ فيأخذكم
عذابُ يومٍ عظيمٍ}سورة الشعراء.
مكثت ناقة صالح عليه السلام في
قبيلة ثمود زمانًا تأكل من الأرض، وتردُ الماء للشرب يومًا وتمتنع منه يومًا،
ورأى المستكبرون من قومه في هذه
الناقة خطرًا جسيمًا عليهم فاتفقوا على أن يعقروها ليستريحوا منها
{وكانَ في المدينةِ تسعةُ رَهْطٍ يُفسدونَ في
الأرضِ ولا يُصلحونَ}سورة النمل.
فانطلق هؤلاء الرجال الخبثاء
يرصدون الناقة، فلما صدرت من وردها رماها أحدهم بسهم، وأسرع أشقاهم فشدّ عليها
بسيفه وكشف عن عرقوبها فخرت ساقطة إلى الارض ميتةً، بعد أن طعنها في لبَّتها
فنحرها، وأما ابنها فصعد جبلاً منيعًا ثم دخل صخرة وغاب فيها.
{كذَّبتْ ثمودُ بِطَغْواها إذِ
انبَعَثَ أشقاها فقالَ لهُم رسولُ اللهِ ناقةَ اللهِ وسُقياها فكذبوهُ فعقروها فدَمْدمَ عليهم ربُّهُم بذنبهم فسوَّاها ولا
يخافُ عُقباها}سورة الشمس،
بعد أن عقر قوم صالح عليه السلام
الناقة التي حذرهم نبيهم من التعرض لها واستمروا على عنادهم وتكبرهم وعبادة
الأصنام، قال لهم صالح عليه السلام لقد حذّرتكم من أن تمسوها بأذى، وها أنتم
اقترفتم الإثم فتمتعوا في دراكم ثلاثة أيام، يأتيكم بعدها العذاب ويحلّ عليكم
العقاب ذلك وعدٌ غير مكذوب
فعقروها فقالَ
تمتَّعوا في دارِكم ثلاثةَ أيَّامٍ ذلكَ وعدٌ غيرُ مكذوبٍ
ورغم هذا لم يتوبوا ويعودوا إلى الرشد، بل
استمروا على باطلهم وظنوا وعيدهُ كذبًا وتحذيره بُهتانًا
{ فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ
رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ
الْمُرْسَلِينَ } سورة الأعراف.
ثم إنهم اتفقوا على قتله وأهله،
وتآمروا على ذلك وتحالفوا فيما بينهم وتبايعوا على هذه المؤامرة وأن يغتالوه ليلاً
ثم يجحدوا قتله إن طالبهم أولياؤهم بدمه، ولكن الله تبارك وتعالى أنقذ نبيه من
كيدهم وتآمرهم فأرسل على أولئك النفر الذين قصدوا قتله حجارة أهلكتهم تعجيلًا قبل
قومهم وردَّ كيدهم في نحورهم
ومَكروا مكرًا ومكرنا
مكرًا وهُم لا يشعرونَ* فانظُر كيفَ كانَ عاقبةُ مكرِهِم أنَّا دَمَّرناهُم وقومهم
أجمعينَ* فتِلكَ بُيُوتهم خاويةٌ بما ظَلَموا إنَّ في ذلكَ لآيةً لقومٍ يعلمونَ*
وأنجينا الذينَ ءامنوا وكانوا يَتَّقونَ}سورة النمل.
وبعد إنذار سيدنا صالح عليه
الصلاة والسلام لقومه الذين كذبوا بالعذاب الذي يأتيهم بعد أن يتمتعوا في دارهم
ثلاثة أيام، أصبحوا يوم الخميس وهو اليوم الأول من أيام الإمهال والنظرة ووجوههم
مُصفرة، فلما أمسَوا نادَوا ألا قد مضى يوم من الأجل. ثم أصبحوا في اليوم الثاني
وهو يوم الجمعة ووجوههم محمرة، فلما أمسَوا نادَوا ألا قد مضى يومان من الأجل، ثم
أصبحوا في اليوم الثالث وهو يوم السبت ووجوههم مُسودة فلما أمسَوا نادَوا ألا قد
مضى الأجل، فلما كان صبيحة يوم الأحد تأهبوا وقعدوا ينتظرون ماذا سيحل بهم من
العذاب والنكال والنقمة ولا يدرون كيف يفعل بهم ولا من أي جهة يأتيهم العذاب.
فلما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من
السماء من فوقهم، ورجفة من تحتهم، ففاضت أرواح هؤلاء الكافرين وزهقت نفوسهم، وسكنت
الحركات وهدأت الأصوات، وأصبح هؤلاء الكافرون في ديارهم جاثمين جثثًا هامدة لا
أرواح فيها، قال الله تعالى: { فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } سورة الأعراف،
وقال تعالى:{ألم ترَ كيفَ فعلَ ربُّكَ بعادٍ* إرمَ ذاتِ
العِمادِ* التي لم يُخلق مثلها في البلادِ* وثمودَ الذينَ جابوا
الصخر بالوادِ* وفرعونَ ذي الأوتادِ* الذينَ طَغوا في البلادِ* فأكثروا فيها
الفسادَ* فصَبَّ عليهم ربُّكَ سَوْطَ عذابٍ* إنَّ ربَّكَ لبالمرصادِ}سورة الفجر.
بعد هلاك ثمود الذين كذبوا نبيهم
صالحًا عليه السلام، وقد أنجاه مما أرادوا وأنقذه والذين ءامنوا من كيد الكافرين،
وأنزل بالكافرين في الدنيا العقاب الأليم، تصديقًا لوعده ونصرًا لنبيه، ولم يمنع
الكفار ما شادوا من قصور شامخة، وما جمعوا من أموال وافرة، وما نحتوا من بيوت
ءامنة، قال تعالى:{وأنجينا الذينَ ءامنوا وكانوا يتَّقونَ}سورة النمل، وقال الله تعالى:{ولقد كذَّبَ أصحابُ الحِجرِ
المُرسلينَ* وءاتيناهم ءاياتنا فكانوا عنها مُعرضينَ* وكانوا ينحتون من الجبالِ
بيوتًا ءامنينَ* فأخذتهم الصيحةُ مُصبحينَ* فما أغنى عنهُم ما كانوا يكسبونَ}سورة الحجر، وقال تعالى:{كأن لم يَغنوا فيها ألا إنَّ ثموداْ
كفروا ربَّهُم ألا بُعْدًا لِثمودَ}سورة هود.