قصة سيدنا يوسف عليه السلام - ج4 - لقائه بإخوته وعودته لأبيه - قصص الانبياء - prophets stories
بعد ان وافق العزيز على طلب سيدنا يوسف
بأن يجعله أمينا على خزانة الدولة
وبدأت تتحقق رؤيا الملك . وانتهت
سنوات الرخاء وبدأت سنوات القحط والجوع، لكن الملك كان قد عمل بتفسير يوسف للرؤيا ووصيته،
فخزّن من الطعام ما يكفي لتجاوز هذه السنوات العجاف، فأصبح الناس يتوافدون إلى مصر
من كل مكان ليأخذوا حاجتهم من الطعام والحبوب.
وفي أحد الأيام أثناء توزيع الطعام على الناس
جاء إخوة يوسف ليأخذوا حظهم من الطعام كبقية الناس، فرآهم يوسف وتعرف عليهم ولكنهم
لم يتعرفوا عليه نظرا لكبره وتغير ملامحه.
اشترط يوسف على إخوته أن يأتوا بأخيهم الذي
بقي عند والدهم؛ كي يزودهم بما يحتاجونه من الطعام
(وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ
ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا
خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ {59} فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ
عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ {60} ) [ سورة
يوسف ].
فأخبروه أنهم سيحاولون ذلك لكنهم في داخلهم
يعلمون مكانة أخوهم عند والدهم وأن ذلك ليس بالأمر اليسير بالنسبة لوالدهم وخاصة
بعد أن فقد يوسف المحبب إلى قلبه،
وقبل
أن يعودوا إلى بلدهم أمر يوسف جنوده بوضع البضاعة التي أحضرها إخوته ليستبدلوا بها
القمح والعلف.
وعندما عاد إخوة يوسف إلى والدهم أخبروه
بالقصة وبالشرط الذي اشترطه يوسف عليهم، ووعدوه بأن يحافظوا على أخيهم، لكن يعقوب
عليه السلام خاف منهم أن ينكثوا بوعدهم كما فعلوا عندما أرسل معهم يوسف للصيد فرفض
ذلك
( قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا
أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ {64} ) [ سورة يوسف
] وعندما فتح الإخوة
أمتعتهم وجدوا بضاعتهم التي ذهبوا بها إلى يوسف ليبدلها لهم بأنها مازالت لديهم،
فأخبروا والدهم أن بضاعتهم ردت إليهم، وأخذوا يحاولون إقناعه بأن في إرساله لأخيهم
مصلحتهم في الحصول على الطعام وزيادة الكيل.
وفي النهاية وافق والدهم على ذلك شريطة أن
يحافظوا عليه بعد أن يُعطوه القسم على ذلك، ثم أمرهم ألا يدخلوا جميعهم – وهم أحد
عشر رجلاً – من بابٍ واحدٍ، ولكن من أبوابٍ عديدة وذلك لشئ فى نفس يعقوب عليه
السلام ..
نفّذ الإخوة وصية والدهم لهم ودخلوا مصر من
أبوابٍ متفرقة، وعندما وصلوا إلى يوسف، أخذ يوسف أخيهم الصغير الذي جاؤوا به، وجلس
معه بمفردهم وأخبره بقصته مع أخوته ومكيدتهم له. ثم وزن يوسف البضاعة لإخوته، فلما
استعدوا للعودة إلى بلادهم، طلب يوسف من فتيانه بوضع السقاية ( وهى إناء كان يُكال
به ) في رحل أخيه الصغير.
وعندما بدأت القافلة في الرحيل إذا بمناد
ينادي ويشير إلى إخوة يوسف
(فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ
السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ
إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ {70} ) [
سورة يوسف ] فتساءلوا عن سبب هذا
الاتهام لهم (ماذا تفقدون)؟ قال الجنود: (نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ)، ولمن جاء
بها سنعطيه حمل بعير من الغلال.
فاستنكر إخوة يوسف هذا الاتهام الموجه لهم،
فهم لم يأتوا للسرقة بل جاؤوا لطلب الطعام. قال الحراس (وكان يوسف قد وجههم لما
يقولونه): ما هو الجزاء الذي ترغبون به إن ظهر أنكم أنتم من سرقتم؟ قال إخوة يوسف:
في شريعتنا نعتبر من سرق عبدًا لمن سرقه. وبدأ التفتيش، فأمر يوسف جنوده بتفتيش
أوعية إخوته فلم يجدوا شيئًا ثم فتشوا وعاء أخيه فوجدوا فيه إناء الكيل. فتبرأ
الأخوة من أخيهم وفعلته وقالوا:
( قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ
لَّهُ مِن قَبْلُ ) {77} [ سورة يوسف ]
فحزن
يوسف على ما سمعه من اتهامهم له أيضًا بالسرقة، وقال في نفسه:
( أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللّهُ أَعْلَمْ
بِمَا تَصِفُونَ ) {77} [ سورة يوسف ]
لأنهم يتهمونه وأخوه ظلمًا وزورًا. لكنهم
أخذوا يترجّون يوسف بأن يُعيد لهم أخوهم أو أن يأخذ أحدهم بدلاً عنه، ذلك أنه
كانوا قد وعدوا أبيهم بأن يحافظوا على أخيهم، لكن يوسف رفض وقال:
( قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ
مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ {79} ) [ سورة يوسف ]
وعندما يئسوا من إعادة أخيهم احتاروا في
أمرهم ماذا سيقولون لأبيهم عند عودتهم؟! فقرر كبيرهم البقاء في مصر وألا يواجه
أبوه حتى يأذن له هو بذلك، وطلب من إخوته أن يعودوا إلى أبيهم ويخبروه بما حدث،
وإن شك في ذلك فليسأل القافلة التي كانوا معها أو أهل المدينة التي كانوا فيها.
وحين عادوا الى والدهم وقصوا له ما حدث شك في
الأمر ولم يصدقهم، وحزن حزنًا شديدًا على يوسف وأخيه وفوض أمره إلى الله تعالى،
وقال لهم:
( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ
أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ
هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {83} ) [
سورة يوسف ]
ولشدة بكائه واستمراره فقد بصره .
فطلب منهم يعقوب عليه السلام أن يبحثوا عن
يوسف وأخيه؛ فهو يشعر بقلب المؤمن أن يوسف مازال حيًّا والمؤمن لا ييأس من رحمة
الله أبدًا.
سافر الإخوة إلى مصر يبحثون عن أخيهم
ويلتمسون بعض الطعام وليس معهم إلا بضاعة رديئة، ولما دخلوا على يوسف قالوا له:
( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا
أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ
مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي
الْمُتَصَدِّقِينَ {88} ) [ سورة يوسف ]
رد عليهم يوسف بهذا السؤال:
( قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ
بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ {89} ) [ سورة يوسف ]
فتفاجؤوا مما سمعوه وقالوا:
( قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ
أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ
وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {90}) [ سورة يوسف ]
فقصّ عليهم يوسف ما حدث له، وكيف منّ الله عليه
وأصبح أمينًا على خزائن البلاد، فاعتذر له إخوته وأقروا بخطئهم فعفا يوسف عنهم
وسأل الله لهم المغفرة
( قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ
يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {92} ) [ سورة يوسف ]
ثم أعطاهم قميصه ليلقوه على وجه والدهم كي
يعود إليه بصره
( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى
وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ { 93} ) [ سورة
يوسف ]
وبينما الإخوة في الطريق إلى والدهم عائدين
من عند يوسف، بدأ يعقوب عليه السلام يشم رائحة يوسف فأخبر من حوله بذلك، لكنهم لم
يصدقوه وأن ذلك نسج خيال، وقالوا له:
( قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ
الْقَدِيمِ {95} ) [ سورة يوسف ]
وما أن وصل الإخوة إلى أبيهم حتى ألقوا قميص
يوسف على وجهه فرجع إليه بصره، وطلب إخوة يوسف من أبيهم أن يستغفر لهم فوعدهم
يعقوب بأنه سيستغفر لهم الله. (قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا
ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
توجه يعقوب وأهله إلى مصر كي يرى ولديه يوسف
وأخيه، فاستقبلهم يوسف أحسن استقبالٍ، ورفع أبويه وأجلسهما على كرسيه، فانحنوا له
احترامًا وتقديرًا له، وهكذا تحققت رؤيا يوسف القديمة التي رآها وهو صغير، فالأحد
عشر كوكبًا بعدد إخوته، والشمس والقمر هما أبواه.
( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا
وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي
حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ
الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ
رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {100} ) [ سورة يوسف ]
وهكذا تنتهي قصة سيدنا يوسف عليه السلام
حاملةً معها دروسًا عظيمةً في الصبر وقوة الإيمان، مبينةً حكمة الله تعالى ولطفه
بعباده الصالحين وتوليه أمورهم، فالله تعالى يبتلي عباده حتى يميّز صدق الصادقين
وكذب الكاذبين، ويجزي المؤمنين عن صبرهم خير جزاء، فهنيئًا للصابرين (وبشِّر الصّابرين)